مستقبل سوريا على وقع التقارب التركي الخليجي
July 20, 2023

مقالات الرأي
لقد حدث تطور نوعي في منطقة الشرق الأوسط في هذه الأيام من خلال التقارب التركي – السعودي الخليجي الاخير، والتي عبرت عنها جولة الرئيس التركي رجب طييب أردوغان الاخيرة وزياره للمملكة العربية السعودية ولعدد من دول الخليج العربي الأخرى. وقد رافق اردوغان بهذه الزيارات وفد تركي ضخم فاق عدده 200 شخصية سياسية وعسكرية واقتصادية. وقد أسفرت هذه الجولة عن توقيع اكثر من مئتي اتفاقية اقتصادية وعسكرية وأمنية. واسفرت اللقاءات في السعودية عن توقيع معاهدة دفاع مشترك بين المملكة العربية السعودية وتركيا.
ان اول نتائج هذه الاتفاقيات السياسية في منطقة الشرق الأوسط هو إنهاء حالة الانشقاق العمودي التي كانت سائدة بين دول المنطقة، والتي انتجت حالة تشكيل المحاور في المنطقة بعد عام 2013، وذلك على أثر سقوط حكومة الرئيس مرسي والإخوان المسلمين في مصر، وتبني تركيا موقف حركة الاخوان المصرية والعربية كطرف في الصراع والنفوذ الذي تفجر في تلك الاثناء، ووقوف السعودية إلى جانب الرئيس السيسي وحكومته. حيث تشكل على أثر هذا الواقع محور عربي مكون من من مصر والأردن والإمارات والكويت والبحرين مدعوم من المغرب، وتقوده المملكة العربية السعودية، ومحور اخر مكون من قطر وحركة الاخوان المسلمين المصرية والسورية وتدعمه في الظل إيران وتقوده تركيا.
وقد عزز المحور الإخواني القطري التركي على المستوى الدولي بتشكيل محور استانا، من الروس والأتراك ونظام ملالي طهران. وفي المقابل لعب الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية دور الداعم والظهير للمحور السعودي المصري الخليجي.
كانت نتائج هذا الانقسام وتشكيل المحاور كارثية على الشعب السوري وعلى شعوب المنطقة.
فالمحور التركي الإخواني القطري قد كان قد نجح في اختراق المعارضة السورية، وهيمن عبر عناصر الاخوان على ومؤسسات الائتلاف السوري المعارض والحكومة المؤقتة، وأصبح الائتلاف شاهد زور على جميع التفاهات والاتفاقيات التي جرت في اجتماعات استانا وسوتشي العشرين بين الأتراك والإيرانيين والروس فيما بينهم. وكان الطرف الأضعف في هذه المعادلة هو الطرف السوري، لان جماعة الإخوان المسلمين السوريين في الائتلاف وفي مؤسسات المعارضة السورية لم يك لهم أهداف وطنية، وليس لديهم القدرة على معارضة الرغبة والتفاهمات التركية مع الأطراف الأخرى في محور استانا، وكانت المصالح الوطنية السورية وأهداف الشعب السوري والثورة السورية اخر همومهم، فهم مجرد موظفين لدى الأجهزة الأمنية التركية وواجهات سورية بائسة تتلقى التعليمات التركية للتنفيذ.
فالتقارب التركي من دول الخليج العربي ومصر، والابتعاد التركي عدة خطوات عن روسيا والسياسات الروسية المغامرة في الازمة والحرب الاكرانية، وفي نفس الوقت اقتراب تركيا من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية عدة خطوات في الآونة الاخيرة، يخلق واقع جديد في منطقة الشرق الأوسط وفي سوريا.
من المؤكد ان المملكة العربية السعودية ستاخذ بالحسبان المصلحة التركية في شمال سوريا والعمل على وقف حالة التهديد الأمني لتركيا من قبل عصابة قسد ومسد في الشمال السوري، ولا بد لها من التوقف عن أي دعم وتفهم كانت تمارسه السعودية لعصابة قسد ومسد في الجزيرة السورية. وهذا بحد ذاته مساحة واسعة تستطيع القوى الوطنية السورية الاستثمار بها، والعمل على إنهاء المشروع الانفصالي العبثي، والقضاء على سلطة الأمر الواقع الإرهابية في الجزيرة السورية .
وما يعزز هذا الاعتقاد هو ان الولايات المتحدة قد اختبرت بشكل جدي عصابة مسد وقسد وتأكدت من ان ولاء عصابة قنديل وقسد هو لملالي طهران. وقد امتنعت هذه العصابات عن المشاركة في مشروع محاربة وطرد القوات الإيرانية وتوابعها من المرتزقة في محافظة دير الزور ومحافظة الحسكة ومحافظة الرقة في شرق سوريا. فأصبح من المحتمل، بل من المؤكد، ان امكانية تخلي الامريكان عن صنيعتهم عصابات قنديل من قسد ومسد أصبحت واردة ومحتملة، وربما لإرضاء الأتراك والسعوديين أيضآ. وفي حال ان القوى الوطنية السورية تبنت وعملت بشكل جدي على تقديم مشروع وطني عملي للاطراف المعنية ينهي سلطة الأمر الواقع الشاذة والجاثمة على صدر أهلنا وشعبنا في الجزيرة السورية.
ومن خلال حالة التقارب السعودي التركي، والعربي التركي ، المتطورة، فهناك فرصة وإمكانية سورية حقيقية ايضاََ لاعادة بناء مؤسسات الثورة والمعارضة السورية على أسس وأهداف وطنية ومصلحة وطنية، وبعيدة عن الاهداف الحزبية والايديولوجية التي ابتليت بها الثورة السورية منذ السنة الأولى لانطلاقة ثورة الحرية والكرامة السورية الباسلة، حيث أقدمت جماعة الإخوان المسلمون وقوى الإسلام السياسي العبثية على تصدر المشهد السياسي والعسكري للثورة والشعب السوري، ذلك الذي أضر كثيراََ بالشعب والثورة، وشوه حقيقة أهداف الشعب والثورة، وافقد شعبنا الكثير من أوراق القوة، وافقدنا مساحات واسعة من الأرض والاصدقاء والحلفاء.
ان ابتعاد تركيا عن جماعة الإخوان المسلمين المصرية والسورية في هذه المرحلة هي ضرورة سياسية ملحة ملزمة ايضاََ لتركية من أجل تطوير العلاقات التركية – المصرية والسعودية والخليجية، وخاصة ان جزء من فروع حركة الاخوان المسلمين يجاهرون ويفاخرون بعلاقاتهم المتميزة مع ملالي طهران، ويدعمون بكل وقاحة مشروع ايران الطائفي التوسعي التخريبي في المنطقة، كحركة حماس والجهاد الفلسطينية، وحركة الاخوان المصرية، وحزب حركة الإصلاح الإخوانية في اليمن.
فالقوى الوطنية السورية مدعوة من جديد، و بشكل جدي، لطرح موقف ومشروع وطني سوري، واضح المعالم والأهداف، يعيد للشعب وللثورة السورية الباسلة مؤسساتها الوطنية، تلك التي اختطفت من قبل فئة لا تتبنى، ولا تؤمن بالدولة الوطنية، ولا بالشعب السوري، ولا بأهداف الشعب، بمساعدة وتواطؤ إقليمي ودولي.
على القوى الوطنية اقتناع تلك الفرصة التاريخية والاستثمار بها، لتعديل المسار والوصول بشعبنا إلى يوم النصر وبر الأمان.
ان هبت رياح الخلاص والتغيير فاغتنمها
د. خالد المسالمة
،تنويه : مقالات الرأي تعبر عن آراء أصحابها ومؤلفيها. تُعَدُّ هذه المقالات وجهات نظر شخصية قد تكون مستندة إلى تجاربهم واعتقاداتهم الشخصية، ولا تُعَبَّر بالضرورة عن وجهة نظر موقعنا الإلكتروني
كلمات مفتاحية: لايوجد كلمات مفتاحية