دكتور القوتلي : ما نحتاج إليه لرفع المعاناة عن أنفسنا واهلنا وشعبنا السوري الكريم ممن فرض عليهم واقع (تحت خط الفساد والقهر و النقص .. )
July 27, 2023

آراء الكتاب
في نهاية كل سنة امر على فقرة (الإهداء) التي يتقدم بها طلابنا بالماجستير في نهاية ستاجاتهم حيث يضعون فيها رسائل للمشرفين عليهم ..
احيانا تكون رسائل شكر غير تقليدية، وتترك اثرا مميزا ..
في سنة ماضية ، استوقفتني رسالة طالب يشكرني و يستغرب كيف انه ما زال يحتفظ برأسه و لم ينفجر دماغه من كثرة المعلومات .. (هههه مهضوم ! )
طالب آخر ممتن لكوني كنت متاحا دائما لمناقشة النتائج وبين قوسين لمناقشة ” غياب النتائج أحيانا” .. (ذكي وحريص .. يحضرنا منذ البداية لتقبل غياب بعض النتائج في رسالته !)
استوقفتني رسالة من طالب يشكرني على تقاسم معرفتي حول الموضوع و التي وصفها “انسكلوبيدية” على حد تعبيره (رسالته تخص الجزء الشمالي للصفيحة العربية / بما فيها سوريا)
ليس الإطراء الجميل – كونه يخص معرفتي بوطني الام سوريا – هو ما استوقفني ،
بل ان طالبي هذا كان قد قدمني بالشكر على الاستاذ المشرف الاول للرسالة!
وهو للمفارقة استاذي الالماني الذي كنت قد شكرته بنهاية رسالتي منذ اكثر من ١٦ عام بكلمات تكاد تكون ذاتها !
اذكر تماما كم كنت انظر إليه باعجاب وكانه موسوعة علمية تمشي على الارض !
لقد استوقفتني ايضا عجلة الحياة لتوحي لي اننا تقدمنا بالعمر ..
استوقفني منذ ايام شاب مكتمل اللحية يركض باتجاهي وانا استجر عربة مركز تجاري (مول) استغربت اندفاعه ..
سلم علي باسمي و بمودة شديدة وقال لي هل تتذكرني؟! …انا طالبك سنة كذا تابعت في مجال كذا واصبحت مديرا لقسم كذا واعمل بواحد من اهم مراكز الابحاث ..الخ
لقد تكررت معي مثل هذه الحادثة مع زملاء وطلبة ، وآخرها في المطار منذ اسابيع ..
و تسلل إلى داخلي شعور طيب و حنين وكاني كنت ابحث عنه ، وقد حرمت منه منذ سنوات طويلة وسنوات !
شعرت بسعادة تحيطني وكأني اصبحت في وطني هذا معروفا كما لو اني أعيش في حي من احياء دمشق القديمة.. وطني الأم !
شعرت باننا باوطان الشتات رغم اندماجنا وامتنانا نحتاج الى الف عام لنعود الى نقط الصفر التي خلفناها في اوطاننا الام
استوقفتني الخطوة الاولى ، و شعرت بشعور اكبر اجدادي في حارات دمشق العتيقة منذ ٦٠٠ سنة /
لكني شعرت بالرضا .. وكاني بدات اترك بصمة طيبة قبل الرحيل !
ايه نعم،
بالعودة الى ما اشرت – سامحوني على الاستطراد – غالبا ما نحصل من طلابنا على كلمات شكر جميلة ، والاهم الملاحظات التي تاتي احيانا بين السطور فهى دروس لنا ايضا..
و لربما الطالب لدينا يمنح هو ايضا المعلم الشهادة التي تعني الاستاذ معنويا اكثر من اي شهادة !
كما ان نظام التعليم والبحث العلمي في اوروبا نهج حر / اصلي / غير مؤدلج /يندر فيه التصنع خصيصا في مجال العلوم .
العلاقة التي تربط الطالب بالاستاذ علاقة انجاز مهني لا تكلف فيها و لا ارهاب فكري ولا تكبر ولا تحزب ولا واسطات ولا ابوية ولا سلطوية .. و لا اي شيء مما نعرفه في الجامعات العربية للاسف.
علاقة قناعة واحترام وكيميا بين المتفاعلين ..
علاقة يحكمها حوار العقول وبناء العقول .. ومن اسمى العلاقات الإنسانية
وبالسياق .. استذكر للاسف كم ان احتياجات اهلنا للتعليم وممارسة البحث العلمي التجريبي في الداخل كبيرة ويهمني ويحزنني كل ما اصابهم من نقص وما طالهم من من واذى باسم دكاكين استفردت بها المعارضة .. لقد كان مساسهم للتعليم جريمة لا تغتفر !
اخيرا اريد ان اقول ان التعليم هو علاقة إنسانية وهو اخلاق قبل كل شيء
التعليم محبة ..
وجوه سمحة منورة بنور الخالق الكريم
طاقة ايجابية وقدرة كبيرة على العطاء ..
ومن يمارس و يدير هذه المهنة الراقية يجب ان يتحلى بمكارم الاخلاق وعلى راسها التواضع ، فلا استعباد ولا تكبر ولا استعلاء بالتعليم
و ” من علمني حرفا صنت له ودا و عهدا .. “
واعتقد انه اهم ما نحتاج إليه لرفع المعاناة عن أنفسنا واهلنا وشعبنا السوري الكريم ممن فرض عليهم واقع (تحت خط الفساد والقهر و النقص .. )
ليس الاموال و لا البنية التحتية ولا حتى المعدات .. بقدر ما نحتاج لإعادة بناء القدوة المتواضعة الايجابية المعطاءة القادرة على بناء نظام التعليم والبحث العلمي التجريبي، وخدمة الأجيال.
دمتم بخير
د.عامر القوتلي ..
الفئة:الآراء والكتاب
كلمات مفتاحية: لايوجد كلمات مفتاحية